سفراء سمرقند يوجهون رسالة تعاون وتآخ

ADVERTISEMENT

متحف أفراسياب في سمرقند هو مكان غريب إذا كنت تعرف تاريخ هذا الموقع. بٌنيَ المتحف في الفترة السوفييتة، في عام 1970 لإيواء اكتشافات علماء الآثار، ويقع في مكان منعزل وسط بستان من الأشجار على قمة تل صغير. وهو محاط بمناظر طبيعية قاحلة إلى حد كبير من التلال المتدحرجة التي تغطي مساحة حوالي ثلاثة كيلومترات مربعة. هذه التلال، التي يمكن وصفها بشكل أكثر دقة بأنها كتل، هي في الواقع مئات المنازل والمباني التي دفنتها رمال الزمن.

وتحت كل تلك الرمال تقع مدينة أفراسياب القديمة، التي لقيت نهاية مروعة في عام 1220 م عندما اجتاح جنكيز خان وجيشه المغولي نهر سير داريا ليدمروا واحدة من أغنى وأقدم المدن التي استمرت مأهولة على هذا الكوكب. نقدم في هذه المقالة لمحة عن مدينة أفراسياب الأوزبكية القديمة وعن متحفها المهيب.

ADVERTISEMENT

السغديون:

كان السغديون يؤمنون بأن مفتاح التجارة هو التفاعل السلمي بين الثقافات. كانوا جسرًا بين العوالم، ناقلين للأفكار، حافظين للثقافة، مؤمنين بالوفرة المشتركة.

لما يقرب من ألفي عام، كانت اللغة السغدية هي اللغة المشتركة على طول طريق الحرير، وكان يتحدثها التجار من القسطنطينية إلى شيان. اليوم، هي لغة شبه منقرضة، لا يتحدثها سوى سكان وادي فرغانة النائي في الجبال شرق سمرقند.

خلال بضعة أيام، قضى جنكيز خان على 1700 عام من سيطرة السغديين على تجارة طريق الحرير الثمينة.

بدلاً من إعادة البناء، انتقل الناجون إلى الجنوب بمسافة كيلومترين وأقاموا مدينة سمرقند، تاركين أطلال وعظام أفراسياب لتغطيها الرمال المتطايرة.

لقرون عديدة، لم ينقّب أحد هنا، ناهيك عن أن يطأ أحد على هذه البقعة من الأرض، لأنها قبر كبير.

الاكتشاف الكبير:

ADVERTISEMENT

في عام 1965، أثناء بناء طريق يمتد الآن على طول حافة الأطلال المدفونة، اكتشف الحفارون اكتشافًا مذهلاً هو قصر الملك فارخومان.

وكان داخل تلك المقر الملكي قاعة السفراء، وهي غرفة مزخرفة بجداريات ملونة على الجدران الأربعة تصور موكباً من كبار الشخصيات من كل الأراضي التي كانت تتاجر عبر سمرقند.

يُعتقد أن اللوحات تصور ممثلين يصلون إلى سمرقند لحضور حفل زفاف ابنة الملك فارخومان.

تم ذكر الجداريات في رواية صينية معاصرة وردت في كتاب ”كتاب تانغ الجديد“:

(في أفراسياب)، يوجد جناح ذو طابقين بداخله لوحات. على الجدار الشمالي، أباطرة الصين السابقون. إلى الشرق، أمراء وملوك الأتراك والهندوس. إلى الغرب، الفرس والبيزنطيون. كل صباح يذهب أمير هذا البلد إلى هذا الجناح للصلاة.

متحف أفراسياب:

عند وصولك إلى متحف أفراسياب، لا يمكنك إلا أن تعجب بتصميمه البسيط وحجمه الصغير. ولكن بمجرد دخولك إلى قاعة السفراء، تنتقل إلى عالم آخر مدهش، قد يكون أكثر تصوير بصري شامل لتجارة طريق الحرير في أي مكان.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Bgag على wikimedia

متحف أفريساب في سمرقند

تروي اللوحات قصة تتعارض مع ما كان العديد من المؤرخين وعلماء الآثار يظنه عن العالم القديم. لطالما كان هناك افتراض بأن الثقافات والحضارات القديمة كانت ريفية ومعزولة وحذرة من الغرباء. لكن هذا الافتراض سرعان ما ينقلب رأسًا على عقب لأي شخص يشاهد هذه اللوحات الجدارية؛ فهنا في سمرقند، استضاف السغديون مزيجًا متعدد الثقافات وديناميكيًا من شعوب من أراضٍ بعيدة. كانت المسافات التي قطعوها إلى أفراسياب ــــــ سواء سيرًا على الأقدام أو على ظهور الجمال أو الخيول أو الفيلة ــــــ مذهلة وتغطي قارات بأكملها. تبلغ المسافة من سمرقند إلى شيان في الصين، المحطة الشرقية لطريق الحرير، 4000 كيلومتر. وتبلغ المسافة إلى كوريا حوالي 5000 كيلومتر. وتبلغ المسافة إلى دلهي 1500 كيلومتر. وتبلغ المسافة إلى القسطنطينية (اسطنبول) 4000 كيلومتر. وتبلغ المسافة الإجمالية لطريق الحرير من شيان إلى القسطنطينية أكثر من 4500 كيلومتر.

ADVERTISEMENT

اللوحات الجدارية:

على الجدار الشرقي للوحات تجد رسمًا يمثّل وصول وفد تجاري من الهند، على ظهر فيلة مزينة بشكل متقن.

على الرغم من أن هذا الجزء من الجدارية هو الأكثر تضرراً، يعتقد علماء الآثار أن المشهد ينقل فكرة أن مبادئ الرياضيات وعلم الفلك انتقلت عبر طريق الحرير من اليونان القديمة إلى سمرقند، التي غزاها الإسكندر الأكبر في عام 329 قبل الميلاد.

ثم انتقلت هذه الأفكار إلى شبه القارة الهندية، حيث طور المثقفون هناك مفهوم الفارزة العشرية، والأعداد السالبة، وأساسيات الجبر وعلم المثلثات. ثم عادت هذه الإنجازات إلى آسيا الوسطى عبر طريق الحرير وساعدت في إثارة العصر الذهبي الإسلامي، الذي ساعد بدوره في إشعال النهضة الأوروبية.

كما تم العثور في أنقاض أفراسياب على أقدم مجموعة شطرنج تم اكتشافها على الإطلاق، وهي منحوتة من العاج، وتعود إلى نفس الفترة الزمنية التي تعود إليها الجداريات.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة पाटलिपुत्र على wikimedia

الجدار الجنوبي لقاعة السفراء

يظهر على الجدار الجنوبي، المطلي باللون الأزرق الزاهي، كاهنان زرادشتيان يركبان جملًا ويقودان حيوانات قربان مثل الأوز والحصان كجزء من احتفال نوروز. نوروز، الذي يعني ”يوم جديد“ باللغة الفارسية، هو طقس قديم يعود إلى العصر البرونزي. وهو احتفال بقدوم الربيع وهو أقدس يوم في السنة في الديانة الزرادشتية. ولا يزال النوروز يُحتفل به بحرارة في جميع أنحاء إيران وآسيا الوسطى.

الصورة بواسطة पाटलिपुत्र على wikimedia

الجدار الشمالي لقاعة السفراء

أما الجدار الشمالي، فهو مخصص بالكامل للصين ومليء بالرموز الغامضة والعلامات الفلكية ومجموعة من الحيوانات وما قد يكون وحشًا بحريًا تحت سطح الماء. المشهد الرئيسي هو على الأرجح احتفال بالسنة الصينية الجديدة ويشمل أربع أميرات في قارب وهنّ تطعمن الأسماك في بركة، وطائر يطعم صغاره، ورجل يحمل باقات من شرانق دودة القز، وهي رموز لأثمن سلعة كانت تنتقل عبر هذه الطرق القديمة.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Ahmet Hilmi Ermiş على pexels

أحد مباني سمرقند السياحية

الخاتمة - الحاضر:

تتمتع الثقافات بقدرة كبيرة على البقاء، خاصة في هذه المنطقة من العالم. وقد اكتشف الأوزبك مؤخرًا ما كان أسلافهم يعرفونه ويحرصون عليه منذ آلاف السنين: هناك ثروة يمكن جنيها وأرباح يمكن تحقيقها من الضيافة والتجارة. بالعودة إلى جذورهم كمفترق طرق للشعوب والثقافات والأفكار، ازدهر الاقتصاد. واليوم، تجذب المطارات الحديثة والقطار السريع والفنادق الجديدة حوالي 10 ملايين سائح سنويًا إلى المنطقة لتجربة ضيافتها الشهيرة وعجائبها المعمارية وتاريخها الغني.

هذا الانفتاح على العالم الخارجي طال انتظاره وربما كان متوقعًا، نظرًا لمدى ديمومة الثقافة هنا.

أكثر المقالات

toTop