لا توجد نقود، بطاقة الحافلة كافية: هل يستطيع نظام النقل العام الجديد في لبنان إعادة بيروت إلى الحركة مرة أخرى؟

ADVERTISEMENT

في مدينة لطالما عانت من الازدحام المروري والحفر والفوضى الناتجة عن الخصخصة، فإن مشهد الحافلات الأرجوانية التي تجوب شوارع بيروت يقدم أكثر من مجرد تجربة جديدة: إنه يقدم الأمل.

مع الإطلاق الرسمي لشبكة الحافلات العامة الحديثة في لبنان، قد يكون التغيير الذي طال انتظاره في مجال النقل قد بدأ أخيرًا. يهدف النظام إلى استبدال بدائل موثوقة وسهلة الوصول بعقود من النقل المجزأ وغير الرسمي وغير الفعال.

نقدم في هذه المقالة لمحة عن نظام النقل العام الجديد في بيروت، وأهم ميزاته.

الصورة بواسطة Jo Kassis على pexels

صخرة الروشة – شاطئ بيروت

إطلاق نظام طالما احتاجته بيروت:

في تموز / يوليو 2024، كشف وزير النقل اللبناني النقاب عن 96 حافلة جديدة، هدية من الحكومة الفرنسية. لم تكن هذه الحافلات هي الحافلات الصغيرة المتهالكة التي اعتاد عليها معظم سكان بيروت. بل كانت حافلات كبيرة الحجم ومكيفة ومزودة بنظام تحديد المواقع العالمي، وخدمة الواي فاي، مصممة لتقديم خدمة عامة حديثة ومنظمة في جميع أنحاء بيروت الكبرى وما وراءها.

ADVERTISEMENT

بدأ التشغيل بـ 11 خطًا ثابتًا تخدم المناطق المكتظة بالسكان مثل الحمرا ودورا وكولا وتايونه، وتمتد حتى جونيه وبابدا والخالدية. وبحلول أوائل عام 2025، أضيف مسار ثاني عشر، وهناك خطط جارية للوصول إلى أبعد من ذلك: طرابلس في الشمال، وصور في الجنوب، وشتورا في وادي البقاع.

الصورة بواسطة iam hogir على pexels

الازدحام في بيروت لا يقتصر على الأبنية

بالنسبة لمدينة كانت الاختناقات المرورية وسيارات الأجرة غير الرسمية ”سرفيس“ تحدد إيقاع الحياة اليومية فيها، فإن نظام الحافلات المنظم والقابل للتتبع والخاضع لإشراف الدولة يبدو وكأنه تحول جذري.

بطاقة حافلة بدلاً من النقود - عصر الدفع الذكي للأجرة:

يعمل النظام الجديد على بطاقة حافلة ذكية قابلة لإعادة الشحن. يقوم الركاب بتمرير البطاقة عند الدخول والخروج، تمامًا كما يفعلون في لندن أو باريس. مع أجرة تتراوح بين 50 و 80 سنتًا أمريكيًا (أو ما يعادلها بالليرة اللبنانية)، صُمّمت الخدمة لتكون ميسورة التكلفة وسلسة.

ADVERTISEMENT

على الرغم من أن خيارات إعادة الشحن لا تزال محدودة على الأكشاك الفعلية والسائقين (في الوقت الحالي)، إلا أن هناك خططًا جارية لدمج النظام مع تطبيق جوال لإعادة الشحن الرقمي والتتبع في الزمن الحقيقي. بالنسبة للعديد من الركاب، وخاصة الطلاب وذوي الدخل المحدود، يوفر هذا النظام القدرة على التخلص من التسعير غير المنتظم لوسائل النقل غير الرسمية.

السلامة على متن الحافلة وسهولة الوصول إليها ولمسة من الراحة:

لم تكن حافلات لبنان في الماضي توفر السلامة أو الراحة. لكن الأسطول الجديد يغير هذا الوضع. تشتمل كل حافلة على:

تكييف هواء: (نعمة من السماء خلال الصيف الحارق)،

مدخل مخصص للكراسي المتحركة ومحطات دخول وخروج مخصصة لسهولة الوصول،

تتبّع GPS مرتبط بمركز مراقبة مركزي،

كاميرات CCTV للأمن على متن الحافلة،

توفّر لافتات الطرق الرقمية وخرائط الطرق مستوى من شفافية المعلومات لم يسبق له مثيل في مشهد النقل العام في بيروت.

ADVERTISEMENT
الصورة بواسطة Moriel على freeimages

تكتفي بيروت الآن بالباصات الأرجوانية... بانتظار المترو ربما...

الاستقبال - التفاؤل يلتقي بالاحتكاك على مستوى الشارع:

على الرغم من أن إطلاق الخدمة قد جلب التفاؤل، إلا أنه لم يخلُ من بعض الصعوبات.

ازدياد عدد الركاب: قدرت التقارير الأولية عدد المستخدمين اليوميين بحوالي 500 مستخدم في الأسابيع القليلة الأولى، وهو رقم ارتفع إلى أكثر من 4500 مسافر يوميًا.

تعرّض بعض الحافلات للتخريب: لا سيما في المناطق التي تشعر فيها ”شبكات الحافلات الصغيرة“ غير الرسمية والسائقون الخاصون بالتهديد من المنافسة المدعومة من الدولة.

محدودية نقاط إعادة تعبئة البطاقات: اشتكى بعض المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعي من طول فترات الانتظار وسوء الاتصال وعدم انتظام الخدمة.

في بلد غالبًا ما تتعثر فيه مشاريع البنية التحتية أو تضيع في البيروقراطية، من المتوقع حدوث مثل هذه التوترات. ولكن المثابرة أمر متوقع أيضًا.

ADVERTISEMENT

من المستفيد؟ ومن المستبعد؟

يعد البعد الاجتماعي للنظام أمراً حيوياً. بالنسبة للعديد من اللبنانيين، أصبح امتلاك سيارة الآن رفاهية. فقد أدى ارتفاع أسعار الوقود ونقص قطع الغيار وارتفاع تكاليف التأمين إلى جعل قيادة السيارة أمراً شبه مستحيل بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض.

وإذا تم توسيع نظام الحافلات العامة وصيانته بشكل مناسب، فإنه يمكن أن يحسن بشكل كبير من تنقل الطلاب والنساء وكبار السن والمعاقين، وهي الفئات التي عانت تقليدياً من سوء الخدمات بسبب الفوضى التي تعاني منها وسائل النقل في لبنان.

ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في توسيع الخدمة إلى المناطق المحرومة، ودمج المشغلين غير الرسميين في النظام الجديد، وكسب ثقة الجمهور من خلال الشفافية والمساءلة.

التأثير الاقتصادي والبيئي والثقافي:

النقل العام ليس مجرد وسيلة للانتقال من نقطة إلى أخرى، بل هو عامل مضاعفة اقتصادي. ومن فوائده:

ADVERTISEMENT

يؤدي تقليل استخدام السيارات الخاصة إلى تخفيف الازدحام وتوفير الوقت والمال للمسافرين.

تساعد انخفاض الانبعاثات في الحد من مشكلة تلوث الهواء المتزايدة في لبنان.

والأهم من ذلك، أن شبكة حافلات فعالة تعيد تنشيط الحياة الحضرية، وتربط بين أحياء بيروت المتفرقة، وتنعش الأعمال التجارية الصغيرة على طول ممرات النقل.

كما أنها ترسل رسالة مفادها: أن لبنان قادر على تقديم الخدمات الأساسية، حتى في خضم الأزمات.

ماذا بعد؟ هل يمكن للنظام أن يستمر؟

يقف نظام الحافلات العامة في لبنان عند مفترق طرق. لقد اكتسب زخماً واهتماماً إعلامياً وموافقة عامة حذرة. يتدفق الدعم الدولي، وتواصل وزارة النقل الضغط من أجل طرح التطبيقات وتوسيع الأسطول وتنسيق السياسات. لكن النجاح على المدى الطويل يعتمد على التمويل المستدام (بما يتجاوز التبرعات الأجنبية)، والإرادة السياسية لفرض التنظيم والتخطيط، والتنسيق بين القطاعين العام والخاص، خاصة مع الشبكات غير الرسمية، وتأييد مواطني بيروت، الذين يجب أن يستمروا في استخدام هذا النظام الجديد والدفاع عنه.

ADVERTISEMENT

إذا نجح في تجاوز العقبات - المادية والسياسية - فقد يساعد في إعادة بناء ليس فقط تنقل المدينة، بل وثقتها في الحكم.

الخاتمة - بطاقة للمستقبل:

في لبنان، حيث غالباً ما يجبر انهيار الدولة المواطنين على الاعتماد على أنفسهم، يمثل نظام النقل العام الجديد أكثر من مجرد لوجستيات. إنه يمثل إمكانية.

نعم، الحافلات الأرجوانية لا تزال غير كاملة. لكنها توفر لآلاف البيروتيين كل يوم شيئاً نادراً: الموثوقية والكرامة ونظرة خاطفة على ما يمكن أن يكون عليه المستقبل الفعال. وما الذي يتطلبه الأمر للوصول إلى ذلك؟ بطاقة حافلة.

أكثر المقالات

toTop